12 يوليو 2011

عـُـقـَـد أدبية

على الرغم من أني لا أحب قراءة المقال، إلا أن فكرة كتابة مقال يومي، ظلت تراود خيالي فترات كثيرة، فكرتُ في تدوين يومياتي الشخصية، لتكون عوضًا عن كتابة المقال اليومي، أو -بالأحرى!- أقصد: على الأدق لترضي غروري في كتابة المقال اليومي، لكني أخفقت أيضًا، بعدما عقدت العزم أكثر من مرَّة، مشجعًا ذاتي بقولي لها: (اعتبرها فضفضة يا عم عشان ماطقش!) وقلت: (طب وأنت تسيَّح لنفسك ليه يا عم!) وقلت: (خليك جرئ وبطَّل رغي وأكتب... يا عم!)؛ لكني لم أستطع غير تدوين أربع يوميات متتالية، وحسب، وترددت على خيالي فكرة: (وسلملي عَ البتنجان) مصحوبة بضحكة رقيعة.
ربما لأني أعشق الرواية، والقصة، ولا أحب (اللَّك) والاستطراد "رغم محاولاتي"، ولا أعتبر الكتابة (سبوبة)، هو ما يجعلني أرى نفسي غير قادر على كتابة المقال بصورة جيدة. أو تدوين يومياتي بشكل منتظم "إضافة إلى أن معظم أيامي في الفترة الأخيرة أصبحت خاوية".
من عاداتي قراءة كتاباتي أكثر من مرَّة، لمراجعتها، وتنقيحها، ونقدها، قبل نشرها. وعندما قرأت تلك التدوينة قبل النشر، قالت ليَّ ذاتي" (وأنا مال أهلي باللي أنت كاتبه ده... يا عم!)؛ ربما ذلك هو السبب الأهم في عدم حبي لقراءة المقال والتدوين، وبالتالي عدم استطاعتي كتابة المقال اليومي بشكل جيد، أو التدوين بشكل منتظم.

21 مايو 2011

وافتكرت ...



أغنية: وافتكرت
من ألبوم: ناويها - 2008
غناء: محمد حماقي
كلمات: أيمن بهجت قمر
ألحان: تامر علي
توزيع: توما



كلمات الأغنية


حياتي وهو مش فيها
سنين عدِّت رضيت بيها
وفاكر لو قابلت عنيه
عادي جدًّا هعديها

واديك ياللي افتكرت نسيت
قابلته الليلة واتهزيت
طب ازاي في حاجات بتموت
وتيجي الصدفة تحييها

وافتكرت لما جت عيني فـ عينه
سنيني معاه
وافتكرت وعد كان بيني وبينه
زمان خدناه
وافتكرت مسكته فـ إيدي
وإيدي خلاص سايباه

قصادي عيونه محتارة
يقرب ولَّا يتدارى
جه اليوم اللي اشوفه أنا فيه
وما نتكلمش يا خسارة

دي صعبة عليَّ واعمل إيه
مافيش في ايديَّا شيء تاني
خلاص اهو اسمي شفت عنيه
عشان دي بجد وحشاني

11 أبريل 2011

بعد الموت


بالأمس استيقظت ليلاً تؤرقني فكرة الحياة بعد الموت، عندما تتخلى الروح عن الجسد.

فكرتُ في أن الروح ربما تؤدي مهمتها في الحياة الآخرة بصورة ميكانيكية تتشابه فيها جميع الأرواح في المظهر، يتساوى فيها ما يكافئ العقل إن وجد ما يكافئه في الروح. أي حياة هذه !

فكرتُ في أنه ربما يعيش الناس حياة حقيقية جديدة تكافئ الحياة الدنيا، بالطبع ستكون حياة منضبطة، عادلة، لا حاجة فيها، لا رجاء فيها، لا غاية فيها، لا يخطئ الناس فيها، لا يحزن الناس فيها، لا يفكر الناس فيها، لا يبدع الناس فيها. أي حياة هذه !

10 أبريل 2011

موت


ينتابني رعب الدنيا كلما استيقظت ليلاً أو فكرت في ظلمة الليل أنه حتمًا سيأتي اليوم الذي يصبح فيه جسدي غير قادر على الحركة، فيُحممني أناس دائمًا ما كنت أمقتهم، ويحملوني دون رغبة مني أو إرادة إلى حفرة مظلمة رطبة ضيقة تحت أرض غريبة عني لأنام فيها وحيدًا، وتصبح روحي تائهة في العتمة، وأصبح غير موجود في هذه الدنيا التي أحيا فيها الآن. حتمًا ذلك سيحدث.
بالأمس عاد يراودني ذلك الشعور المرعب المقيت.

27 يناير 2011

يوم الغضب (أهم أحداث الأيام الثلاثة)

صورة: الكاتب الصحفي محمد عبدالقدوس أثناء اعتقاله في اليوم الثاني
عندما بدأت تظاهرات الغضب المصرية التي قامت على غرار الثورة الشعبية التونسية، كتبَ أحد التونسيون على أحد المواقع الاجتماعية مؤازرًا الشعب المصري قائلا: (مثلما فعل بن علي، سيهددكم مبارك بكل حزم، فلا تخافوه .. ثم سيقطع الإنترنت، فشكلوا مثلنا لجان أحياء ثورية .. ثم سيعتقل الناس، فاصبروا .. ثم سيكذبكم، فصمموا .. ثم سيقاتلكم، حينها فقط اغضبوا، واحرقوا حزبه، ومراكز شرطته، ورموز نظامه، ولا تقتلوا أحد، وسوف يخضع، ثم يهرب) ..
ذلك ماحدث في تونس فعلا، ويحدث بالفعل في مصر الآن، إلا أن مبارك -قَل وذَل- لم يخضع حتى الآن، فماذا ننتظر من شيطان أبله عاش متألهًا ثلاثون عامًا ..
خلال هذه الأحداث لم نرى مبارك على أي شاشة أو نسمع له عن أي تصريح، فقط ينعم في قصره النائي عن الشعب مطمئنًا على منصبه، لأنه الموالي الأكبر في الوطن العربي للولايات الأمريكيه (الدولة العظمى) التي لن تقبل بزعزعة عرشه خوفًا من أي سياسة جديدة تعارض كبريائها ..
أبرز أحداث الأيام الثلاثة:
قبل بداية اليوم الأول: جماعة الدعوة السلفية والكنيسة الأرثوزكسية في مصر يصدرا فتوى بعدم جواز المشاركة في التظاهرات.
اليوم الأول: التعامل بكل العنف من قِبل قوات الشرطة للتصدي للمتظاهرين وسقوط مئات المصابين .. التعتيم الإعلامي الكامل في كل القنوان التابعة لوزارة الإعلام المصرية وتزييف الحقائق في معظم القنوات المصرية الخاصة .. قطع جميع وسائل الإتصالات التليفونية والإنترنت عن أكثر أماكن التظاهرات سخونه ..
اليوم الثاني: ازدياد حدة العنف ضد المتظاهرين مما أدى إلى مقتل عدد من المواطنين (معظمهم من السويس) وأفراد الشرطة (دمهم جميعًا في رقبة حاكمهم) .. اعتقال مئات المتظاهرين والناشطين السياسيين والصحفيين من جميع أنحاء الجمهورية .. تصعيد أخبار وأحداث التظاهرات عالميًا واستمرار التزييف بالداخل ..
اليوم الثالث: إعلان الحرب الحقيقية على كل المتظاهرين في كل شوارع مصر .. هدوء في شوارع الاسكندرية وأعداد قليلة من المتظاهرين في القاهرة باثتثناء الوضع المشتعل في السويس) .. محاصرة أهل مدينة السويس وقطع جميع وسائل الإتصال والإنترنت عنهم ومنع دخول مراسلوا التليفزيونات وقطع الكهرباء وضربهم بالقنابل المسيلة للدموع وبالرصاص المطاطي .. ازياد عدد القتلى والمصابين .. حرق أهالي السويس لمقر الحزب والوطني .. انهيار كبير في البورصة المصرية .. غلق موقع فيسبوك في جميع مدن الجمهورية تحسبًا لجمعة الغضب ..
كما أنه بدأت تظاهرات في اليمن على غرار الثورة التونسية والتظاهرات المصرية تنادي بخلع الرئيس اليمنى على عبدالله صالح.
غدًا جمعة الغضب.

26 يناير 2011

عن ما حدث في يوم الغضب 25 يناير


صورة: ميدان التحرير وقت التظاهر في اليوم الأول
في بداية يوم 25 يناير كتبتُ:
النهاردة كانوا بيقولوا إن القوى السياسية هتتجمع علشان تعمل ثورة (رغم أني من أشد المحرضين على الثورات وعلى تحالف قوى الشعب إلا أنه بعد اطلاعي على تفاصيل ومطالب الثورة المزعومة أقول: سلامات يا ثورة) ..
بعدها:
جلست أتابع المشهد على شاشات التليفزيون، فحسبت أن الأمر مطمئنًا لمَّا خلت جميع الشاشات من أي أخبار عن تظاهرات في الشوارع المصرية، ثم بدأت الأخبار تتواتر على فيسبوك وبعض المواقع الإخبارية عن مصادمات حامية بين متظاهرين وقوات الأمن في الشوارع المصرية، وعن حالات تحرش من قِبل بعض أفراد الأمن ببعض المتظاهرين بل وتحول التحرش لاعتداء فعلي بالضرب والترويع بأن الضرب سيستمر حتى الموت، وانتشرت الأخبار على الشاشات الإخبارية الغير مصرية عن انتشار تظاهرات قوية في القاهرة، الاسكندرية، السويس، ومعظم المحافظات سواءً في مدن الدلتا أو وجه بحري أو قبلي ..
وكعادة الحكومة المصرية التي تتعامل مع كل مشكلاتها بسياسة الإخصاء منذ ثلاثة عقود (الحكومة التي عندما ينتشر في شعبها الفقر والجهل والبطالة تأمر بتحديد النسل، الحكومة التي عندما تفشل في توفير الكهرباء تقطعها بصفة عشوائية إجبارية لتتعطل الأعمال في المصالح خاصةً كانت أو حكومية ويعجز الناس عن إتمام أعمالهم، الحكومة التي عندما تفشل في إدارة شركات شعبها تخصخصها بعدما كنَّا نسعى لتأميمها، الحكومة الديكتاتورية التي تعتقل كل من يخالفها في ظلمها وفسادها ..) بدأت في قطع إتصال شبكات المحمول عن وسط البلد، وغلق المواقع الإخبارية المعارضة لها والمواقع الإجتماعية المهمة ..
قررتُ الخروج إلى الشارع والمشاركة في التظاهرات التي تعد الأقوى في الحقبة السياسية المصرية الأخيرة ..
كان كل حي من أحياء الاسكندرية يضم مظاهرة، تنادي صراحةً برحيل مبارك الرئيس هو وأسرته، وكانت الناس تنزل من البيوت لتنضم للمظاهرات، وكانت تنضم كل مظاهرة إلى الأخرى ليفوق العدد التصديق، لكن في الاسكندرية وأظن باقي المدن أيضًا عدا القاهرة كانت المظاهرات تفتقر إلى النظام، لأنها لم تكن تحت راية تحالف القوى السياسية الناشطة كما في القاهرة، كانت مظاهرات ومسيرات المحافظات أهلية شعبية بحته، فكانت تتضارب الهتافات أحيانًا، ويتشتت الناس عند مفترق الطرق لدقائق حتى تتجمع ثانية ..
لم أكن قبل ذلك أمتلك شجاعة رفع الصوت ومواجهة الجمهور، رغم أني كنت أحب أن أكون في الصوف الأولى دائمًا لمواجهة الأمن إذا واجهنا (أيام كنتُ فردًا من جماعة الإخوان المسلمين) لكن اليوم علا صوتي كثيرًا وحملني الناس على أكتافهم معظم الوقت لأوحد الصفوف والهتافات، وساعدني على ذلك الميجا فون الذي منحني إياه أحد المتظاهرين الذي نزل به بجهده الفردي، هتفنا كثيرًا وسرنا كثيرًا من دون تخريب أو ترويع طبعًا ..
وعندما اقتربنا من سيدي جابر رأينا تساقط العشرات الكثيرة من القنابل المسيلة للدموع علينا، كنت أسميها قبل ذلك العبوات الدخانية، كنت أحسبها فقط تسبب سحابة دخانية حتى لا يري المتظاهرون بعضهم فيتفرقوا، إلا أنها قنابل مدمرة فعلا، قنابل يدمر غازها الجهاز العصبي والتنفسي للإنسان فلا يستطيع أحد الصمود أمامها فعلا، بدأت الناس تهرب من الغاز وبدأت بعض النساء والشباب تتساقط على الارض لعدم احتمالها تأثير الغاز والجري، وبدأت الناس تفتح لنا أبواب بيوتها وتعطينا الماء، خفت آلامنا كثيرًا لما تأكدنا من روعة وأصالة الشعب المصري ..
نزلنا من البيوت وبدأنا نتجمع في الشوارع الجانبية التي كان في آخر أحدهما سيارة للشرطة يجلس فيها عسكري شرطة، رأي الناس تجري من بعيد هربًا من عصيان وقنابل الشرطة، فظن أنها تجري لتفتك به فخرج من سيارته وجرى بعيدًا، فما كان من المتظاهرين الذين رميت عليهم القنابل وضُرب الكثير منهم بالعصيان، إلا أن يصنعوا من سيارة الشرطة تلك قطعة كبيرة من الحديد تفريغًا لشعورهم بعدم الأمن في بلدهم صائحين (لا للذُل ولا للعار أخ بيضرب أخوه بالنار .. أمن الدولة يا أمن الدولة فين الأمن وفين الدولة) ..
وبقينا على الدرب نطوف الشوارع منادين بسقوط النظام ورحيل الرئيس، تواجهنا الشرطة، ونفترق، ونتجمع، إلى أن وصلنا إلى محطة الرمل، قابلتنا قوات جديدة من الأمن هناك، لم تكن تلك القوات بالسذاجة التي تجعلهم يرمون القنابل في ذلك المكان السياحي الحيوي الذي تتجمع فيه السفارات والسينمات والفنادق والمحلات التي لا تغلق أبوابها أبدًا، تكلموا مع بعض المتظاهرين الذين وقفوا سامعين صاغرين للرتب المهيبة التي تخاطبهم في ود مصطنع، والبعض الآخر أكمل مسيرته في اتجاهات متفرقة، فوجدت أن الأمر بدا عشوائيًا جدًا، فرجعت إلى البيت لأتابع المشهد عبر الشاشات ..
كانت كل شاشات التليفزيون المصري تسبب ليَّ حالة مزرية من القرف بما تعرضه من سخافات وكأن شيئًا لا يحدث، وكانت برامج التوك شو على الشاشات المصرية الأخرى تزيف طرف تطرحه من الحادث كخبر عابر عن أن هناك أحداث شغب يفتعلها (الإخوان المسلمون: الحيطة المايلة للنظام) في الشارع المصري، كدتُ أنهار تمامًا عندما طالعت شاشة الفراعين -التي يمتلكها كبير المنافقين السياسيين الموالين للحكومة: توفيق عكاشة- كانت تحادث أشخاص من برنامجها الرئيسي يدَّعون أنهم مراسلوا القناة من قلب الحدث في كل محافظة، كانوا يبثون أن لا شيء يحدث وأن الأمر مطمئنًا في كل الدنيا إلا من العشرات الذين يتظاهرون مظاهرات عادية مطالبين بمطالب إجتماعية، لم يكن ذلك البرود والتعتيم جديدًا على تعليمات السيد الرئيس، لكن القناة المصرية الوحيدة التي ناقشت الموضوع بكل وضوح وبصورة وافية حقيقية هي قناة ONTV المصرية في الساعات الأخيرة من ذلك اليوم، وكان النصيب الأكبر في بث الحدث من أرض الواقع في قلب القاهرة هي قناة الجزيرة الإخبارية القطرية ..
بقيت الجزيرة تذيع الحدث من قلب القاهرة بعد منتصف الليل حتى ساعات الصباح الأولى، وبقيتُ أتابع الحرب التي شنتها قوات الشرطة على شعب القاهرة، الشعب العظيم المنظم الشجاع الذي يعرف مطالب شعبه ويعرف كيف يطالب بها، هنا فقط عرفت أن الثورة المنشودة، يمكن أن تتحقق فعلا ..
غدًا أتابع أحداث اليوم ونتائج التظاهر خلال أيام الغضب.

25 يناير 2011

النهاردة !


النهاردة عيد الشرطة (نفسي شرطة بلدي تبقى زي شرطة أمريكا آه أمريكا !) ..
النهاردة أجازة (أجازة !) ..
النهاردة ارتكبت جريمة قتل في أحلامي (بحلم كتير بتنفيذها في الحقيقة !) ..
النهاردة كانوا بيقولوا إن القوى السياسية هتتجمع علشان تعمل ثورة (رغم إني من أشد المحرضين على الثورات وعلى تحالف قوى الشعب إلا أن بعد اطلاعي على تفاصيل ومطالب الثورة المزعومة أقول: سلامات يا ثورة !) ..

24 يناير 2011

أن يضاجع الإنسان أحلامه

المضاجعة حق -طبيعي- لكل إنسان، فكرت في أسوأ مضاجعة، وتأكد من أنها مضاجعة الإنسان لنفسة من غير رضا نفسة ..
في ظل الظروف الاجتماعية والسياسية الحالية، كان دايمًا في سؤال بيلح عليَّ: أن يضاجع رجل امرأة (من غير الزواج) لكن في وجود الرغبة والرضا الكامل من الطرفين (زنا) ؟ .. أم أن يضاجع كل منهم نفسة (من غير الفطرة) بلا رغبة أو رضا (شذوذ) ؟ ..
أنا شايف إن المشكلة مش مشكلة دين، لكن مشكلة متدينين !

23 يناير 2011

كنتُ أعمى ذات يوم والآن بدأتُ أرى


دايمًا بستغرب من الناس اللي قادرة تشتغل في وظائف روتينية، بيضيعوا 16 ساعة في الشغل والمواصلات وباقي اليوم في النوم، من غير مايستمتعوا بحياتهم أو يكتشفوا أي جديد فيها، عايشين عبيد لغيرهم، بالظبط زيّ خطوط الإنتاج في المصانع؛ آلات شغاله طول اليوم من غير ما تفكر إنها تطور أو تدي رأي أو تعترض على إسلوب، فقط تاخد الأمر وتنفذه بشكل ميكانيكي وروتيني لصالح غيرهم ..
وبستغرب لما بشوف متسول في الشارع، أو واحد بيتاجر بعاهاته، أو مدعي فقر أو مرض علشان غيره يمِن عليه ببعض الجنيهات، وأقول إزاي الناس دي مش مدركة إن دي حياتهم الحقيقية مش بروفة لها، ليه سايبين نفسهم مزلولين لغيرهم علشان ملاليم أو ملايين مش فارقة، مع إنهم ممكن بكل سهوله يبقوا ناس طبيعيين، يعيشوا بكرامتهم، ويستمتعوا بحياتهم، ويكتشفوا جديدها، أو يفكروا فيها وفي الحكمة منها ..
دايمًا وأنا صغير كنت بحب زيارة أقارب أمي اللي عايشين في الريف، اللي رغم بساطة عيشتهم عايشين ملوك، لأنهم عارفين يتكيفوا مع حياتهم ومع الدخل بتاعهم، وده الفرق بين فقراء الريف وفقراء المدينة ..
بس اللي اكتشفته النهاردة، إن حياتي بقت ماتفرقش كتير عن حياة موظفين الحكومة، أنا بردو بقيت عايش في روتين، أخلص شغلي في يوم أو يومين من الإسبوع، وباقي الأيام اقرا أو اتفرج على أفلام، وانام، وقليلا ما أكتب أو أُنتج.

22 يناير 2011

بدء التدوين


فكرت كتير أدوَّن يومياتي، بس مكنتش عارف ابدأ منين أو بإيه أو من إمتى، لكن اكتشفت إن مش شرط البداية تكون من يوم سبت أو بداية شهر أو أول سنة أو من حدث جلل، خصوصًا إن الأحداث المؤثرة دايمًا بتكون مربكة وساعتها الواحد مش بيكون في الحالة اللي تمكنة من الكتابة ..
فكرت ابدأ من البداية، وأدوَّن خيالات الطفولة، لكن حسيت إن الموضوع هيكون مرهق ومش سهل، فقررت أكتب من دلوقتي، من اللحظة اللي بفكر فيها دلوقتي، ولأن الأيام والأحداث دايمًا بتتكرر -بصور وألوان مختلفة بعض الشيء- فأكيد هلاقي نفسي بعيد كتابة الماضي أحيانًا.

31 يوليو 2010

قراءة في رواية إيموز ... الرحلة

إيموز رواية مهمة تمس فئة كبيرة من الشباب الباحثين عن ذاتهم والمنشغلين بحقيقة وجودهم والحالمين بفرصة آدمية للحياة السوية. تقرأها فتجد نفسك أمام لغة جديدة وثقافة واسعة لكاتب مميز بين كُتاب جيله حقيقةً.

بطل الرواية إنسان عادي -ملول بطبيعة الواقع- قد يكون أنا وقد يكون أنت، يسير ضد التيار ويأكل من شجرة المعرفة؛ فيجد في طريقه كل أصناف البشر، يجرب أن يعيش حياة كل واحد فيهم، إلى أن يعود مرَّة أخرى إلى حياته المعتادة المقسومة له منذ البداية.

يؤخذ على الكاتب في الرواية الإخلال بالدقة على حساب الوضوح. كما أن الرواية بها كم زائد من المط والتطويل في سرد شخصيات البطل والبطلة على حساب شخصيات أخرى مهمة في الرواية. بالإضافة إلى زيادة في جرعة السرد المقالي لتوصيل بعض الأفكار، قد يكون ذلك استسهالاً، وقد يكون لرغبة متأججة في نفس الكاتب لتوصيل كل الأفكار التي كانت تجول في خاطرهُ وضمها في نفس الرواية.

لكن في رأيي أن الرواية من أروع روايات -جيل الشباب- التي قُدِمَت في الفترة الأخيرة. كما أعتقد في أنها ستكتب اسم "إسلام مصباح" ضمن قائمة الكُتاب المهمين في الوسط الأدبي.

12 مايو 2010

اسمها أمل

(1)
                                                                        
اسمها أمل. خرجت من دار القضاء العالي حيث تعمل موظفة ربما أو شيء كهذا لتعول أسرتها: أب، أم، أخان، وأخت صغيرة تبكي. انتقلت عدة مرَّات بين الرصيف هذا والرصيف الآخر من «شارع سعد زغلول» بحثًا عن حذاء غالي وجميل، لكنها وجدت أن محلات بيع الأحذية في ذلك الشارع محدودة ومعظمها يبيع الأحذية الرخيصة، وهي تتمنى حذاء غالي وجميل، تتمناه منذ ستة أشهر أو يزيد، فقد كانت توفر له جزء كبير من راتبها كل شهر. فكرت في أن تذهب إلى «شارع صفية زغلول» ربما تجد هناك الحذاء الذي تتمناه، بالتأكيد ستجده هناك فهي تعرف أن هناك محلات ثمينة تبيع الأحذية الأصلية غالية الثمن الجميلة، لكن حرارة الشمس كانت توحي لها بأن تعود إلى «موقف الأوتوبيس» حتى ترجع إلى بيتها وتعاود البحث عن الحذاء في يوم الاجازة، إلا أنها قالت لنفسها:
-         سأذهب لأشتري الحذاء وبعدها آخذ تاكسي حتى البيت، فالحرارة قاتلة واليوم نهاية الشهر وجل ما أخشاة أن يسرقني لص في الأوتوبيس.

إنها فكرة مرعبة حقًا، كيف ستقضي الشهر هِيَ وأسرتها إذا ضاع راتبها الذي قبضته منذ ساعة، أرهقتها الفكرة غير أنها كانت تميل أصلا لشراء الحذاء اليوم قبل غدًا، فقالت هامسة لنفسها:
-         لا، لا، سأذهب لأشتري الحذاء وبعدها آخذ تاكسي حتى البيت.

ذهب إلى «شارع صفية زغلول» وفي أوله وجدت محلاً كبيرًا فخمًا له واجهة زجاجية رهيبة، وقفت أمامها تتأمل الأحذية حتى سقط طرفها على ذلك الحذاء الصيفي الجميل، حذاء نصف كعب أسود وبه نقوش حمراء، استحوذ الحذاء على اهتمامها، فراحت تتأمل دقائقة وتُمعن النظر في صنعته، وظلت تدور حولة بنظرها وهِيَ تحاول أن تقرأ نوع الماركة المكتوبة عليه. دخلت المحل وطلب مقاس 37 من ذلك الحذاء، أحضرته لها البائعة وساعدتها في لبسه ولف أشرطته على مقدمة ساقيها، وقاتلت لها:
-         كم هو جميل الحذاء في قدميك.

قامت أمل وَمَشِيَتْ بضع خطوات على أرضية المحل الباركية، ونظرت لقدميها في المرآة العملاقة الموضوعة على مستوى الأرضيه، تأكدت من جمال الحذاء في قدميها، وطارت، إلى الخزينة تدفع ثمن الحذاء. شكرت البائعة ونفحتها إكرامية مناسبة. استلمت الحذاء داخل كيس قَيِّمٌ مكتوب عليه اسم المحل بخط أنيق. خرجت ولم تشعر بحرارة الجو القاسي بعد أن كانت في جو المحل اَلْمُكَيَّفْ، كانت تمشي مبتهجة وكأنها تقول للعالم:
-         انظروا، لقد أشتريت حذاءًا غاليًا وجميلاً من ذلك المحل الراقي في أول الشارع.

وانحدرت إلى طريق الكورنيش حتى تستقل إحدى سيارات التاكسي. كانت تشير للسيارات بثقة، وكانت تبدو جميلة، مستمتعة بنظرات المراهقين والرجال لها، سمعت فتًا مراهقًا يهمس لصديقة:
-         أنظر، إن لها مؤخرة رائعة تحملها ساقان جميلتان ... آآه.

كان قلبها يَرِفُّ فكادت تطير. حتى رأت الأوتوبيس؛ فتركت معجبيها، ونسيت أمر التاكسي، ولم تهتم بأمر حرارة الجو، أو تخشى لص الأوتوبيس، لم تشعر بنفسها إلا وهِيَ تدفع ثمن التذكرة، وتبحث بناظريها عن مكان لقدميها بجوار أحد النوافذ. انتبهت لذلك الصوت الهادئ المهزوز:
-         تعالي اجلسي هنا يا آنسة.

ابتسمت ابتسامة واثقة، وشكرت الشاب بالفرنسية، رغم أنها لم تكن معتادة على الكلام بأي ألفاظ غير عربية. جلست وأسندت رأسها على النافذة، تركت الزحام والضجيج والدخان وراحت تفكر؛ فكرت في ذلك الشاب الخجول الذي كان ينتظرها كل يوم على محطة الأوتوبيس مبكرًا وهي ذاهبة إلى العمل ينظر إليها حتى تركب دون أن يتكلم معها، وفكرت في جارها الذي تحبه وتشعر بأنه يميل لها أيضًا رغم أنه يصغرها بثلاث سنوات على الأقل، وفكرت في الزواج من رجل ثري يُقَدِّرُ جمالها ويكفل أسرتها ويرحمها من الشقاء في العمل، ورأت نفسها ترتدي فستان زفاف، وطرحة بيضاء، وحذاء راقي له كعب عالي، وتمسك بيد عريسها وقد ملأت الموسيقى المكان، ويفتح لها عريسها باب السيارة الحمراء لتركب في المقعد الخلفي وتسير سيارتها في مقدمة صف طويل من السيارات وقد شق السماء أصوات الزغاريد، وكلاكسات السيارات، وأصوت طلقات نارية مدوية، وفرقعات، وانفجار، ولا شيء.

(2)

فتحت أمل عينيها على أربع عيون دامعة حزينة وعين صغيرة تبكي بجوار سريرها، التفتت حولها فرأت عائلات أخرى تلتف حول سراير أُخَرُ، وجوم، همهمات، كآبة، والحزن هو سيد المكان:
-         أين نحن، ولماذا تبكون ؟
-         نحن في المستشفى يا ابنتي.
-         ولماذا نحن في المستشفى، هل حدث لي شيء ؟
-         لا تقلقي يا حبيبتي، فالضحية الوحيدة في الحادث هو السواق، قَدْ فَقَدَ حياته.
-    أي حادث ... لقد تذكرت. كانت هناك زغاريد، وكلاكسات سيارات، وأصوت طلقات نارية مدوية، وفرقعات، وانفجار، ثم لا شيء ... أين حذائي، كان معي حذاء جميل أسود وبه نقوش حمراء، أين هو، هل وجدتموه ؟

بدا الجزع على الجميع، وراحت الأم تنتحب، وراحت هِيَ تنظر لهم مندهشة:
-         كل هذا من أجل حذاء، سأشتري غيره بعدما أخرج من المستشفى !

وبدلاً من أن تراهم يهدأون، وجدت كآبتهم تزداد، وينفجرون في البكاء، ونحيب الأم يعلو بشكل كئيب بشع، فأغتاظت أمل، وراحت تسأل مرَّة أخرى:
-         كل هذا من أجل حذاء ؟!
-         لا يا ابنتي، إننا لا نبكي من أجل الحذاء، بل نبكي لأنك لم تعودي في حاجة إلى لبس حذاء.

تجمدت أمل، ومدت يدها تتحسس موقع رجليها. صرخت، وزلزلت القلوب، ولا شيء.

24 أبريل 2010

المشهد



كنتَ تحبُّ المطرَ، وتُحِبُّ الخريفَ. وتُحِبُّ الجلوسَ في الحديقة نهارًا على الكرسي الخزفي وفي المقهى ليلاً على الكرسي الخشبي، وتعودُ إلى بيتك وحذاؤك مُبتلٌّ من ماء المطر المتكوَّم على أرصفة الشوارع المظلمة إلا من ضوء القمر والضوء الخفيف المنبعث من بعض النوافذ.

وكنتَ تحبُّ أن تشعلَ الحطبَ في المدفئة، وتذهب إلى النافذة الجافة، ويظل وجهك الشاحب المزروع بالشَّعر الأسود ملتصقًا بزجاجها أطول فترة ممكنة، حتى يتعكَّر صفوها، فتتذكَّر إلَهَك، وتتذكَّر حبيبتك الصغيرة، وتراها وهي تَمُرُّ أمامَكَ، تسير متمهلة على الرصيف المقابل، وتضم حقيبتها مُنَكَّسَةً رأسها كأنها تبكي على طفلتها الميتة بين ذراعيها، أو كأنها تقول للعالم أجمع:
-        انظروا كم أنا حزينة، كم أنا حزينة انظروا !

وتذهب أنت لتتابع المشهدَ ...
كان المشهدُ مهيبًا عندما سقط البطل على الأرض بعد أن علا زئيرُه باسم حبيبته، وكنتَ أنت تتابعُ المشهدَ بنفس اللهفة التي تابعته بها في المرَّة الأولى.

وكنتَ تعودُ إلى النافذة الجافة، ويظلُّ وجهك الشاحب المزروع بالشَّعر الأسود والأبيض ملتصقًا بزجاجها أطول فترة ممكنة، حتى يتعكَّر صفوها، فتتذكَّر إلَهَكَ، وتتذكَّر حبيبتك الصغيرة، وتراها وهي تَعْـبُرُ الطريق، وحدها، أو مع غيرك ربما، فتُنادي عليها من الدور الرابع، وتصرخ:
-        عودي يا حبيبتي الصغيرة، يا حبيبتي الصغيرة عودي.

حتى تتأمَّلَ آخر ذرَّة منها في الزحام، لكنك لا تُصَدَّقُ أنها ذهبت إلى الأبد، لا لشيء إلا لأنك كنتَ تتمنَّى أن تضع لها إخلاصك في حقيبتها، لكنك أدركت -بعدَ فوات الأوان- أن صراخك من الدور الرابع ضَرْبٌ من الجنون !

فكُنتَ تعود إلى المدفئة، وتكتب رسالة إلى إلَهِكَ، ورسالة إلى حبيبتك الصغيرة، وتضع بدل الطابع ورقة من روحك المشروخة، وتلصق الرسالة بماء الندم.

ويأتي الصباح، وتشرق الشمس قليلا قليلا، فتشعر بالدفء قليلا قليلا، وتهوي على الكرسي بجوار المدفئة، وتنام.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللوحة: كريم آدم
نشرت في: المجموعة القصصية، رجل العواطف يجلس على المقهى ويدخن الشيشة. ديسمبر 2010

23 ديسمبر 2009

قراءة في رواية يوتوبيا ... الرائعة


وفي إحدى ليالي شتاء 2008، جاءني (د. أحمد خالد توفيق) في منامي يبكي إليَّ ما فعلوه بـ(يوتوبيا)، ويهديني نسخة منها، ويوصيني بقراءتها لأنه متشوق لسماع رأيي فيها، هكذا الحلم كان !...

والحق أقول لكم: كانت علاقتي بكتابات (د. أحمد) قد انتهت منذ زمن، زمن (المؤسسة العربية) وروايات الجيب التي أصبحت أرى فيها المط الممل والاستخفاف بعقلي كـ ـيافع، ربما كنتُ أحبها أيام الطفولة والطفولة الثانية ...

ذهبتُ إلى الصديق (أحمد الأبيض) لأشتري بعض الكتب، فاشتريت، وطلبت بعض الكتب الغير موجودة على رفوفه، فأمليته عناوينها، وقبل الوداع قال ليَّ:
-       أنت ليه مش عايز تاخد (يوتوبيا) ؟

كنتُ قد مللت عرضة المتكرر في أن آخذ (يوتوبيا) ...
تذكرت الحلم ...
أخذت (يوتوبيا) ...
قرأت الصفحات الأولى من (يوتوبيا) ...
ركنت (يوتوبيا) على الرف ...

* * *

أصابني الملل كثيرًا في هذا العام 2009. وفي إحدى نوبات الملل، فتحت (Google) لأبحث عن (سر الملل) فخرج ليَّ ضمن النتائج وعلى مدونة لمجهول موضوعًا مطولاً يسفه من (يوتويا)، (يوتوبيا) المملة، (يوتوبيا) التي تسيئ لمصر والمصريين، (يوتوبيا) التي تحرض على الإلحاد والفجور ...

تذكرت (يوتوبيا)، قرأت (يوتوبيا)، ندمتُ على تخلفي عن قراءتها كل تلك الفترة. قرأتها ثانية، قرأتها ثالثة، أدمنها ...

* * *

تقرأ (يوتوبيا) فيصيبك الزهول، وتتسع حدقات عينيك، وربما لا تستطيع أن تتحكم في أشداق فاهك. يختلط عليك الواقع بالخيال، فلا تعرف أين أنت، وتجهل مهمة حياتك ...

تجد نفسك مع لغة رهيبة يستخدمها (أحمد خالد توفيق) ليقول لك، لقد انتهى زمن روايات الجيب وإليك الخيال الواقعي –هذا النوع أحبه–

* * *

علاء وجرمينال ...
تتعاطف مع (اليوتوباويين) وتلعن جنونهم وتخنقك أفعالهم.

جابر وصفية ...
تتعاطف مع (الأغيار) وتلعن جبنهم ويخنقك هوانهم.

* * *

(يوتوبيا) هي الزل والمهانة ...
(يوتوبيا) هي الثورة التي لم تحدث، ولابد أن تحدث ...

26 مايو 2009

العشاء الأخير

نزلت المائدة، وكان التلاميذ يعلمون أنه آخر عشاء لهم بصحبة مُخَلِّصَهُمُ (يسوع المسيح) نبي (الناصرة) الذي أراد أن يُخَلِّصَهُمُ من جشع يهود، ومن الظلام الذي خيَّم على القلوب والعقول جراء الوثنية.

جلس (السيد المسيح) عند رأس المائدة، بينما كان التلاميذ الإثنا عشر يتنافسون على مقاعد الشرف القريبة منه، فقام من مَقْعَدَهُ وجاء بحوض به ماء وغسل أرجل التلاميذ وقال:
-         لقد حاولتم التنافس على مقعد الشرف، والأن أضرب لكم المثل الذي يجب أن تحتذوه: تذكروا أن الخادم ليس أعظم من سيده.

فهم التلاميذ قصد معلمهم وراحوا يتناولون العشاء فى صمت، فقطع السيد المسيح صمتهم وقال:
-         إن أحدكم سوف يسلِّمني.

وقعت الكلمات على التلاميذ كوابل، فزادت من صمتهم لحظات يتناظرون فيها إلى بعضهم، ثم تهامس كل منهم في رجفةٍ:
-         هل هو أنا يا مُعَلِّمُ ؟

فقال السيد المسيح:
-         إن الذي يضع يده في الصفحة معي هو الذي سيسلمنى، ولقد كان خيرًا للذى يسلمنى أن لو كان لم يولد.

أكلوا فى صمت، ولم ينتبه أحدٌ إلى أن (يهوذا الأسخريوطي) كان هو الذي وضع يده مع االسَّيد في الصفحة.

* * *

كان الملأ من يهود قد اجتمعوا وعقدوا مجلس (السنهدرين؛ يعني : المجلس التشريعي الأعلى لليهود) الذي دعا إليه الحاخام الأكبر (قيافا) ليروا كيف يستطيعون ايقاف (يسوع) - الذي يُدْعَىَ المسيح - عن الوعظ وكيف يمنعوا عدد أتباعه من الأزدياد. فقد اغتاظوا من جرأته لما جاء الهيكل وطرد منه التجار والصيارفة من قبل، وما ميَّز غيظهم تلك المرَّة؛ عندما جاء إلى أورشليم ولم يكن وحده، كان حوله أتباع كثيرون ينشدون ويرتلون في الشوارع وقد انتابتهم نوبة قوية من الغضب الشديد فراحو يقلبون مناضد الصيارفة والتجار ويبعثرون نقودهم على الأرض ويخرجونهم من فناء الهيكل بضرب العصى.

خاف الملأ من أفعال أتباع المسيح، وأن تدفعهم عواطفهم الثائرة ونزعتهم الوطنية إلى الثورة على السلطة الرومانية، فتكون العاقبة هي القضاء على ما يتمتع به يهود وزعمائهم من حُكْمٌ ذاتي وحرية في جمع المال بإسم الدين. فوافق المجلس بأغلبيته على رأى (قيافا) الذي قال:
-         خير لنا أن يموت إنسان واحد من الشعب ولا تهلك كل أمة يهود.

* * *

انتهى التلاميذ من العشاء، كما انتهى المجلس من قراره. وها هو (السيد المسيح) بصحبة احدا عشر تلميذًا، خرجوا من المدينة إلى حديقة (جشماني) التي اعتاد (السيد المسيح) الخروج إليها للصلاة والتعبد.

* * *

وبينما رؤساء الكهنة يتشاورون فى الطريقة التي بها يقبضون على (السيد المسيح) دون إثارة للشغب، إذ دخل عليهم (يهوذا) يساومهم:
-         ماذا تعطونني وأنا أسلمه إليكم ؟

جلست الخيانة على مائدة الكفر وبدأت المساومات.

* * *

شق السكون في الحديقة بعدما انتصف الليل وصول (يهوذا) يتقدم جماعة من الضباط والجنود حاملين مشاعلهم وعصيهم، فتقدم (السيد المسيح) إليهم يسألهم:
-         عمن تبحثون ؟

قالوا:
-         نبحث عمن يُدْعَىَ (يسوع) الناصري.

فقال على الفور :
-         أنا هو.

لم يكن (السيد المسيح) يكشف عن نفسه إلا وقد هرب التلاميذ وتخلوا عن مُعَلِمَهُمُ. ولكن أين (يسوع) ؟ أهرب مع تلاميذه ؟

* * *

دخل (يهوذا) بعنف على التلاميذ في البيت الذي كانوا قد اجتمعوا فيه بعد الهرب وأخذ يفتش ويقول :
-         أين اَلْمُعَلِمُ ؟

قالوا له:
-         أنت اَلْمُعَلِمُ، أنسيتنا أم أنك تُنْكِرُنَاَ ؟

* * *

ألقى الضباط القبض على (يهوذا) في رداء (السيد المسيح) وقيدوه وقادوه إلى بيت كبير كهنة يهود، وبعد ليلة طويلة من الإتهامات والإهانات جيئ به إلى قاعة المحاكمة أمام (بيلاطس اَلْبُنْطِيِ) حاكم أورشليم الروماني، وحوكم محاكمة لم يشهدها التاريخ من قبل، لكن، ربما تكررت كثيرًا بعدها.

وجد (يهوذا) فى رداء (السيد المسيح) نفسه متهمًا بالأتي :
1.      الكفر بالعقيدة الموسوية.
رغم أن (السيد المسيح) لم ينقد العقيدة الموسوية، بل كان الكهنة هم من استخدموا قشورها وحوروها لمصالحهم المالية.
2.      الخيانة وتدبير المؤامرات ضد أمن الدولة الرومانية.
3.      تحريض الناس على الإمتناع عن دفع الجزية.
4.      التمرد على السلطات.
5.      إفساد الأمة.

وبعد المحاكمة الملفقة تهمها الظالمة أحكامها، تم الحكم بصلب (يسوع) الناصري حتى الموت. ولأن الله لا يقبل بالظلم أن يحل على عباده فقد رفع نبيه إليه وألقى شبهه على (يهوذا) الخائن الذي أشترى ثمن عذابه وصلبه في الدنيا وخزيه في الآخرة بثلاثون قطعة من الفضة.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لوحة العشاء الأخير: رسمها (ليوناردو دافنشي) سنة 1498، على جدران كنيسة (سانتا ماريا) في: فلورانسا، إيطاليا.